Pages

25.8.13

في مصيدة الفئران

الواحدة بعد منتصف الليل ليس الوقت المثالي للبحث عن طعام ولكن ما باليد حيلة، هؤلاء القوم لديه الكثير من الطعام الذي يقومون برميه وأنا لدي عائلة من الأفواه الجائعة التي يجب ملؤها. قال لي البعض أنه قد يكون في الأمر خطورة، ولكن من قال أنه يوجد شئ في هذه الحياة بلا خطورة! استيقاظك من النوم كل يوم في حد ذاته به خطورة؛ خطورة ترك الأحلام ومواجهة الواقع الذي حتماً سوف يحبطك.
أصطحبت صديقاً لي معي في المرات السابقة فهو عليم بهذه الأماكن وكيفية الهروب منها إذا ما داهمك أحدهم، ولكن اليوم قررت الذهاب وحدي، الحياة أقصر من أن تضيعها بإنتظار أحدهم. الطعام الذي نحصل عليه كل ليلة لا يكفي، لذا قررت أن أغامر أكثر وأنزل إلى الأرض –أو ما يسمسه البعض ب"الشارع"- ماذا يمكن أن يحدث؟ إذا ما قرر أحد هؤلاء الذين يظنون أن باستطاعتهم إيذاءي الظهور فأنا أعلم المخرج جيداً ويممكني الهروب منه قبل أن يدرك ثقيل الذهن هذا ما يحدث، وحتى إن نجح في القبض عليّ، وحتى إن أنهى حياتي فلعلها تكون النهاية السعيدة لهذه الحياة التعيسة.

أيها الجرذ القذر.. أحترس مما تتمنى.

يوجد الكثير من الطعام هنا، لماذا يستفرد هؤلاء القوم بكل هذا؟ وإذا جرأت على الأقتراب ممما يعتبرونه فضالتهم فسيسحقونك بلا رحمة. لماذا؟ هم لا يحتاجونه بينما سينقذك أنت وعائلتك، ولكن بالنسبة لهم أنت لست أكثر من كائن حقير يجب القضاء عليه.
لا عليك من كل هذا، هناك قطع من الخبز ملقاة حول صندوق ضخم ممتلئ بالطعام الفاسد، ربما أن أستطعت نقلها فستكفينا لفترة. ولكن أنتظر.. هناك قطعة طماطم كبيرة سيحبها الأطفال مع الخبز، هي بعيدة بعض الشئ وبداخل صندوق غريب الشكل ولكن المحاولة لن تضر، وكما قلت لك من قبل بعض المجازفة مطلوبة. أتجهت ناحية الصندوق غريب الشكل هذا وأنا أحاول الا أصدر أي صوت، ولكن ما أن دخلته سمعت صوت فرقعة صغيرة لم أفهمها في بادئ الأمر، وما أن نظرت ورائي حتى فهمت كل شئ.. هذه هو "مصيدة الفئران" التي حكى عنها أجدادنا، كنت أظن أنهم لم يعودوا يستخدموا هذه الأشياء، حاولت أن أصرخ لعل أحد أصدقائي يسمعني ويأتي لأنقاذي ولكن بلا جدوى، حاولت بعدها أن أحدث فاتحة في المصيدة أستطيع المرور من خلالها ولكن لم ينجح الأمر أيضاً. حسناً، يجب أن أهدأ وأفكر في مخرج، ربما هؤلاء القوم ليس بالسوء الذي يصوره البعض، ربما سيدعونني أذهب أو سيلقونني في هذا الصندوق الكبير الملئ بالطعام الفاسد، ربما.. ربما من الأفضل الأنتظار في هدوء، لن يمر وقتاً طويلاً حتى يأتي أحدهم لتفقد الوضع، وعندها سأعرف النهاية المنتظرة.
لا أعرف كم مر من الوقت وأنا ملقى في قاع المصيدة أنتظر مصيري، ولكن بعد فترة ليست بالقصيرة سمعت وقع خطى تقترب، أحدهم يقف بعيداً ينظر إلي، وأعتقد أني رأيت في عينيه خوفاً مني أكثر من خوفي منه.. سمعته بعد ذلك ينادي على أخر ويشير عليَ ثم يمضي الأثنان بعيداً، ظللت متأهباً بعض الوقت ولكن مرت فترة طويلة دون أن يحدث شئ، هي حرب نفسية أذن! ربما يريدون مني أن أموت خوفاً دون أن يلوثوا أيديهم بدمي، فليكن، لن ينالوا ما يريدون، أنا لا أهابهم.. فليفعلوا ما يحلوا لهم. مرت فترة أخرى لا أعلم أن كنت نمت أم غبت عن الوعي ولكني أستيقظت على أحدهم وهو يرفع المصيدة، بدأت في الصراخ ومحاولة عض يديه لعله يترك المصيدة فأتمكن من الهرب.

أيها الجرذ القذر.. لا تقاوم قاتلك، هذا سيغطبه أكثر ويجعل ميتتك أبشع.. مت في سلام ولا تقاوم.

رأيت يده وهي تمد حول رقبتي بسلك رفيع، هو إعدام إذن.. حسناً على الأقل أنا لست نادماً، فحياتنا لم تكن رائعة يوماً ولن أترك شيئاً أحزن عليه، أنا فقط خائف على مصير أمي وأخوتي من بعدي، ولكن ليتوالهم الله برحمته..

في بلدنا هذه يعاقب الفقير على طلب فتات العيش ويُترك الغني ليسرق كل شئ.

في صندوق النفايات الكبير خارج المنزل وجد أحد أصدقائه جثته بعد أن كانوا قد فقدوا الأمل في العثور عليه وأنتشرت الشائعات حول هروبه وتخليه عن مسئوليته تجاه عائلته، وعندما أُذيع نبأ مقتله قال بعضهم أنه أنتحر بينما أتهمه البعض الأخر بالجنون وأن ذهنه كان مغيب حين قرر المخاطرة بحياته، وحدهم عائلته وأصدقائه وقفوا يبكون على هذا الذى لم يخف يوماً من أن يطلب بحقه في حياةً كريمةً.
قرر كبار الجرذان أن يتركوا جسده في مجرى النهر لعله يغسل أثامه، وغطاه أخوه الصغير بورقة كتب عليها "ذهب الذين تحبهم، ذهبوا.. فإما أن تكون أو لا تكون"، قبل أن يجرفه التيار بعيداً.

15.8.13

رسائل ترد إلى المرسل


أخي الحبيب،
دعني أقص عليك ثلاثة مشاهد يعود أقدمها إلى عام 2010 لتعرف الأنحدار الذي وصلنا إليه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
المشهد الأول: هو ليس مشهد تحديداً ولكن مقال قرأته في سبتمبر 2010 بعنوانعبد الوارث" والذي يتخيل فيه الكاتب حوار بينه وبين أحد عساكر الأمن المركزي ويقول "الزمن الرديء فقط وضعنا متواجهَيْن أمام بعضنا بعضا، والجندية “سهموداير” من يفلت منها يا ابن العم ؟؟، ألبسوك الزيَّ الأسود، وضعوا على رأسك الخوذة الثقيلة، أعطوك درعاً تدفعني به وعصًا تضربنا بها، وقالوا لك اضرب أولاد الكلب هؤلاء، لكنك تعرف جيداً أننا لسنا أولاد الكلب…، تعرف ذاك من كلماتنا، من لافتاتنا التي بالكاد تفك حروفها، من ذاك العلم الذي يرفرف في أيدينا، وأكثر من هذا كله أنك تعرف من هم أصحاب الكروش مُصدِّرو الأوامر ،.. تعرف جيداً أن من يقهرنا قد قهرك مرات ومرات.” أذكر حينها كم تأثرت بهذا المقال وأرسلته لصديقة لي التي أخبرتني إنها لا تعتقد أن العساكر بالبرأة التي أتخيلها وأنهم في الأثم سواء، فهم لهم عقولاً يفكرون بيها وليسوا فقط “عبد المأمور”، بالطبع حينها كنت ساذجة لدرجة منعتني من تصديقها.
المشهد الثاني: فبراير 2012 وتحديداً بعد أحداث بورسعيد بيومين، كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء وكنت أقول لهم أن من المستحيل أن يكون الجيش هو من دبر لتلك الأحداث، “أكيد هم مش بالغباء ده يعني عشان يقوموا الشعب عليهم”، وبالطبع مرت الأيام وأثبتت لي أن الغبي الوحيد هو أنا لسذاجتي المبالغ فيها.
المشهد الثالث: قبل مظاهرات 30 يونيه بأيام قليلة كنت أتحدث مع صديقة لي وكنا نحاول أن نرتب لقاءً فقالت لي “بعد الحرب الأهلية م تخلص إن شاء الله”، حينها ضحكت وأخبرتها أنه لن يكون هناك حرب أهلية وأن كل شئ سيكون على ما يرام وأخبرتها أني “متفائلة” فردت قائلة “أنا مش شايفه أي حاجه تدعوا للتفاؤل”، ولكني كالعادة لم أستطع حينها رؤية الأنقسام الهائل الذي نجح نظام مبارك في أحداثه في صفوف الشعب المصري.
هل لاحظت يا أخي كبف أتسعت الرقعة من الأمن المركزي إلى الجيش إلى الشعب بأكمله في غصون عامين؟ نجح النظام البائد في أستخدام أقدم خدغة يستخدمها المستعمر وهي “فرق تسد”، وبدأ بالعودة هو وفلوله بالتدريج للمشهد السياسي ثم قتل كل من يعارضهم كأنهم دجاج وليسوا بشر. ما حدث بالأمس يا أخي ربما ينساه البعض كما نسوا أموات كثيرة من قبل، وهناك من سيقول هذه فتنة وألزم دارك ليريح ضميره متجاهلاً بذلك أهم قواعد الفتنة وهي عم وضوح الحق من الباطل. وهناك أخرون سيقولون “إيه اللي وداهم هناك!” وهؤلاء يجب تجاهلهم تماماً فهم لا يعرفون كيف يعيش الأنسان لقضية ويموت من أجلها.
تعلم يا أخي، منذ عامين تقريباً بدأت أدعوا الله أن يرزقني الشهادة في سبيله، وبعد هذا الكم من القتل الذي حدث بالأمس أصبحت الشهادة على أعتاب دارنا، مما جعلني أفكر: هل أنا أهلاً للشهادة؟ فالشهادة يا أخي ليست لأي شخص ولكنها فقط للصفوة، فقد قال ربك في كتابه “ويتخذ منكم شهداء”، فربما أختارهم ربك لصفاء قلوبهم وتركنا هنا لتكفير ذنوبنا بالصبر على البلاء، فلنصبر ولتحتسب، ولندعوا الله أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى.